بل أصبح الأمر في بعض الأحيان مصدرًا للقلق؛ نظرًا لحجم التحولات التي طرأت.
التغيرات لم تقتصر فقط على بدء سن المراهقة، ولكنها امتدت إلى الاهتمامات والسلوكيات؛ مما جعل المراهقين يبدون مختلفين بشكلٍ كبير عن أسلافهم.
مُبكرة أم طبيعية؟
في الأجيال السابقة، كان سن المراهقة يبدأ غالبًا بعد البلوغ الفعلي، وكان ذلك يتراوح بين 13 و15 عامًا، أما اليوم، فإننا نشهد بدء مظاهر المراهقة في سن أكثر بكورًا بكثير، قد تصل إلى 10 أو 11 عامًا.
يربط الخبراء هذه الظاهرة بالتعرض المبكر للتكنولوجيا والإنترنت؛ حيث أصبح الأطفال على دراية بمواضيع أكثر تعقيدًا في سن مبكرة؛ مما يسرِّع من عملية النمو العقلي، والاجتماعي.
العالم الرقمي
تغيرت اهتمامات المراهقين بشكل جذري؛ ففي الماضي، كان التركيز الأكبر على الدراسة والأنشطة الاجتماعية في نطاق الأسرة والمدرسة. واليوم، أصبح للعالم الرقمي الحصة الأكبر من وقت واهتمام المراهقين.
مواقع التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، ومقاطع الفيديو القصيرة، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية؛ مما أدى إلى تراجع في الأنشطة البدنية والاجتماعية التقليدية.
هذا التغير لم يأتِ دون آثار جانبية، فكثيرًا ما يُلاحظ أن المراهقين باتوا أكثر انطوائية عند التواصل المباشر مع الآخرين، وأقل قدرة على بناء علاقات اجتماعية في العالم الحقيقي، حيث يُفضلون التواصل الافتراضي، الذي يوفر لهم الخصوصية والحرية من قيود التواصل الشخصي.
التكنولوجيا والبيئة والأسرة
تعد التكنولوجيا العامل الرئيسي في هذا التحول، الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي قدمت فرصًا غير محدودة للتعلم، الترفيه، والتواصل، ولكنها في الوقت ذاته غيرت من شكل التفاعل الاجتماعي التقليدي، لم يعد المراهقون بحاجة إلى الخروج للقاء أصدقائهم، بل باتت الهواتف والشاشات الصغيرة قادرة على توفير نفس الإحساس بالتواصل الاجتماعي.
كما أن البيئة المحيطة بالمراهقين اليوم تلعب دورًا كبيرًا، فالمجتمعات أصبحت أكثر انفتاحًا وتقبلًا للتغيرات الاجتماعية، مما يجعل المراهقين أكثر جرأة في تبني اهتمامات وسلوكيات لم تكن مقبولة في الأجيال السابقة.
الأسرة أيضًا لها دور مهم؛ ففي الماضي كانت الأسرة تضع حدودًا صارمة حول سلوكيات المراهق، أما اليوم فإن الكثير من العائلات تجد صعوبة في مُتابعة التطورات المُتسارعة التي يعيشها أبناؤهم، مما يؤدي أحيانًا إلى غياب الرقابة أو التوجيه المناسب.
كيف نتعامل مع مراهقي اليوم؟!
أمام هذه التغيرات الكبيرة، يواجه الأهل والمُجتمع تحديات كثيرة في التعامل مع المراهقين.
الاهتمام بالتكنولوجيا أصبح أمرًا لا يمكن تجنبه، ولكن يجب توجيه هذا الاهتمام نحو استخدام إيجابي.
الحل يكمن في تحقيق توازن بين الانغماس في العالم الرقمي، وبين التفاعل الحقيقي مع العالم الخارجي، إضافة إلى تعزيز الوعي بالقيم الاجتماعية والأسرية.
ختامًا، لا يمكننا القول، إن المراهقة اليوم أفضل، أو أسوأ مما كانت عليه في الماضي، ولكن الأكيد أنها مختلفة. يجب أن نتفهم هذه التغيرات، ونعمل على دعم المراهقين في مواجهة التحديات الجديدة، مع التركيز على توجيههم بطريقة تضمن لهم توازنًا صحيًا بين عالمهم الرقمي، والعالم الحقيقي.
#تربية وأسرة#مهارات_تنموية#المراهقة_بين _الماضي و_الحاضر